للاعلان هنا .. اتصل بنا على 99793374
منوعات عامة

اللمس حاجة إنسانية أساسية ( قصة مريض )

( الفوز – دوليات )

ذات ظهيرة من سبتمبر 2018، بعد ستة أعوام على حادثة شغل أتت على ساعده الأيسر بسبب حزام صناعي ناقل، وقف رجل من ولاية كارولينا الشمالية، يُدعى “براندون بريستوود”، أمام زوجته وقد علا وجهَهُ تعبيرٌ شديد التعقيد وحافل بالتوتر والترقب، حتى بدا كأنه حائرٌ أيضحك أم يبكي. ضمن الجَمع الصغير المتحلّق حول آل بريستوود، رفع أحدهم هاتفًا نقّالًا ليوثّق للمشهد العجيب: المرأة الحسناء ذات الشعر الطويل والنظارات، والرجل الملتحي ذو الطرف الصناعي من الكوع إلى الأنامل، والأسلاك المزروعة في كتفه والمتصلة بجهاز كهربائي مثبَّت تحت قميصه. كان ذلك عبر الجلد مباشرة، حتى صار بريستوود -بدنًا، لا طرفًا صناعيًا- تام التوصيل الكهربائي بالمعنى الحرفي للعبارة. إذ كان هذا الرجل قد سمح للجرّاحين لدى “جامعة كيس ويسترن ريزورف” في مدينة كليفلاند الأميركية، بشقّ طرف ذراعه اليسرى وتثبيت موصلات كهربائية دقيقة على الأعصاب والعضلات المبتورة؛ وذلك ضمن جملة تجارب جريئة تنجزها شبكة عالمية من جرّاحي الأعصاب والأطباء وعلماء النفس والمهندسين الحيويين. بعدها، مَدّ هؤلاء الجراحون 48 سلكًا رفيعا داخل نصف ذراع الرجل ومن ثم أخرجوها عبر كتفه.

في أعقاب ذلك، كان بريستوود يرى الأسلاك بارزة من جلده كلما نزع الرقعة التي تغطيها. وكان لسان حاله يقول: “يا إلهي! إنها فعلًا أسلاك خارجة من ذراعي”. ولقد أَهدرَ زمنًا طويلًا في الاكتئاب بعد الحادثة. لكنه اليوم بات يشعر أن حياته ذات جدوى. وعلى مدى بضعة أشهر ظل ينتقل بانتظام إلى كليفلاند حتى يتمكن الباحثون من مساعدته على تركيب ذراع صناعية تجريبية تنتمي إلى جيل جديد من الأطراف الصناعية التي لها محركات داخلية وأصابع مزوَّدة بأجهزة استشعار.

وتحظى هذه الأجهزة باهتمام كبير لدى خبراء إعادة التأهيل، لكن أكثر ما أراد فريق “كيس ويسترن ريزورف” دراستَه لم يكن مجرد التحكم المُحَسَّن الذي تتيحه الأطراف الصناعية؛ بل إن ما أبهر الباحثين حقًّا -مناط استكشافهم في كل مرة يُجلسون بريستوود في المختبر ويَصِلون أسلاكَه بجهاز الحاسوب- هي تجربة اللمس البشري. ذلك أن هذا التفاعل الدقيق بين الجلد والأعصاب والدماغ معقدٌ تعقيدًا مذهلًا؛ فأنّى لهم أن يفهموه ويقيسوه ومن ثم يُعيدون إنشاءَه لدى من فقَده، على نحو يُشعره بأنه استعادَ لمسَه الطبيعي.. الإنساني!

ليست هذه طريقة عِلمية جدا للتعبير عن الأمر، لكن براندون بريستوود أنموذج يُجسّد كل ذلك. داخل “مختبر الاستعادة الحسية”، بينما كان باحثو “كيس ويسترن ريزورف” يُجرون عليه الاختبارات، كانت ثمة تطورات مشجعة؛ فعلى سبيل المثال، لمَّا جعل بريستوود يدَه الصناعية قريبة من كتلة رغوية، شعر بضغط على الرغوة. إنه اتصال. وخزٌ بدا نابعًا من أصابع لم يعد يمتلكها.

لم تستطع “إيمي بريستوود” قَط الانضمام إلى زوجها خلال تلك الحصص المخبرية في كليفلاند؛ إلى حدود ظهيرة ذلك اليوم من سبتمبر لمّا حضرَت ندوة ماريلاند البحثية حيث كان براندون من بين عارضي التقنية الجديدة، إذ وقفا قريبًا من بعضهما بعضًا وقد ارتدى براندون الطرف الصناعي الموصول بكتفه بالأسلاك.

يحتفظ براندون في هاتفه النقال بمقطع فيديو لِما حدث بعد ذلك. وما زال يفقد رباطة جأشه كلما ذَكر الأمر. لم يقم أحد بتنقيح المقطع ولا تجويده؛ فكل ما يرى المرء هو شخصين يقابل أحدهما الآخر في غرفة فسيحة، غير واثقَين ومُحرَجين كمراهقَين يرقصان رقصتهما الأولى. كان براندون ينظر إلى قدميه، وينظر إلى أصابعه الصناعية، ويبتسم. وبذراعه اليمنى السليمة يشير لإيمي كي تقف لدى يُسراه: تعَالي إلى هنا.

للإستعلام عن المخالفات ودفع الغرامات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock