للاعلان هنا .. اتصل بنا على 99793374
العالم من حولك

الانتخابات الأكثر أهمية وخطورة في تركيا !

( الفوز – دوليات )

يخوض الشعب التركي وأحزابه اليوم واحدة من أخطر وأشرس الانتخابات في تاريخه ، منذ تأسيس الجمهورية ، خاصة وأنها ستشهد انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان في الوقت نفسه ، ولا يوجد أحد داخل تركيا أو خارجها يتوقع النتائج ، لا أحد يمكنه الجزم بأن الرئيس رجب طيب أردوغان سيحقق نسبة النصف زائد واحد لضمان مروره من الجولة الأولى ، كثيرون يتوقعون أن يضطر إلى جولة إعادة ، وأحزاب المعارضة وقوى دولية وإقليمية عديدة كارهة لأردوغان تخطط لسحبه إلى تلك الجولة على أمل تنظيم احتشاد ضده لإسقاطه عبر الصناديق ، وحزب العدالة والتنمية ، حزب أردوغان ، والذي يحكم تركيا حاليا ويدير وزاراتها ، يعاني جدا في هذه الانتخابات من أجل أن يصل إلى نسبة نصف مقاعد البرلمان ، وهذا سقف طموحه ، والمؤتمرات الانتخابية لأردوغان يحضرها ملايين في مشاهد مهيبة وضخمة في طول البلاد وعرضها ، والمؤتمرات الانتخابية لمنافسه الرئيس “محرم إنجه” يحضرها أيضا ملايين في مشاهد مهيبة ولافتة ، أجواء ساخنة ، وشفافية انتخابية في أعلى مستوياتها ، وهي شهادة متجددة على عمق الديمقراطية في تركيا ومؤسساتها ، وعلى نجاح أردوغان وحزبه في الوفاء بالالتزام بالديمقراطية وحماية مؤسساتها واحترام الإرادة الشعبية ، حتى لو وقعت أخطاء في بعض الظروف ، كما أنها شهادة واضحة على مستوى السطحية التي يتعامل بها كتاب ومحللون عرب من خارج تركيا يتحدثون عن الديكتاتورية والنظام الديكتاتوري لأردوغان ، وهي مقالات وتصريحات وتغريدات مثيرة للشفقة والغثيان .

نجح أردوغان العام الماضي في الحصول على موافقة الشعب ـ عبر استفتاء شعبي ـ على تعديل دستوري يحول النظام من برلماني إلى رئاسي ، باعتبار أن النظام الرئاسي يجعل الدولة أكثر استقرارا ، بينما النظام البرلماني يجعل الدولة فريسة التنازع الحزبي والحكومات الائتلافية الضعيفة التي تربك خطط التنمية وتضعف ثقة المجتمع الدولي بالاستقرار الضروري لأي نظرة إيجابية مستقبلية للاستثمار أو غيره ، وهو شبيه بالجدل الذي عرفته مصر أثناء اعداد دستور 2014 ، وهل نختار النظام الرئاسي أو البرلماني ، وكان هناك انقسام كبير في تركيا تجاه الفكرة ، حتى داخل حزب أردوغان نفسه ، ولذلك فشل في تمرير التعديلات بنسبة حاسمة ، وكان الفارق لصالحه بأقل من واحد في المائة ، والتعديلات الجديدة تقرر إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في يوم واحد .
كان المقرر أن تتم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في العام المقبل 2019 ، غير أن الظروف الإقليمية المتسارعة ، خاصة في الشأن السوري والمعركة التي فتحت مع المنظمات الكردية المسلحة وبوادر الحصار الذي تريد فرضه دول الاتحاد الأوربي على أردوغان وقلق العلاقة مع الولايات المتحدة وبروز ظاهرة التلاعب في الاقتصاد التركي ومحاولات ضرب العملة ، كل ذلك جعل أردوغان يستجيب لنصائح حزبية بالدعوة لانتخابات مبكرة ، وقد دعا لها بالفعل رئيس حزب الحركة القومية ووافق أردوغان ، كما لاقت الدعوة ترحيب الأحزاب المعارضة جميعها تقريبا ، والتي تطمع في تعديل حصتها في البرلمان ، وتم تبكير الانتخابات لتجرى اليوم 24 يونيه 2018 .
تضع مراجع أوربية عديدة آمالها على تلك الانتخابات من أجل تنحية أردوغان عن الحكم ، لأن نبرة العناد لديه تجاههم تزايدت ، وأصبح يوبخ علنا قيادات أوربية رفيعة ويسخر منهم ، كما أن بروز تركيا في عهده كنمر اقتصادي واعد يقلقهم بالفعل ، والنهضة الصناعية الهائلة التي حققها جعلت تركيا جهة تصدير سخية وليست جهة استيراد واستهلاك ، كما أن برامج الصناعات العسكرية التركية تطورت كثيرا في عهده وأصبحت تصنع دبابات ومدفعية وصواريخ ومدرعات برمائية وطائرات استطلاع وطائرات مروحية ومختلف أنواع الذخائر ، وهناك حملة إعلامية ضخمة حاليا في فرنسا وألمانيا بشكل خاص ضده ، وتصل لحد الشتائم والسخرية العنيفة ، وتفريغ مساحات واسعة من الإعلام الأوربي كمنصات دعم لمعارضيه ، كما أن الإعلام الأمريكي يخوض حربا حقيقية هذا الأسبوع ضده وعمليات تشويه مركزة وعنيفة .
لا يوجد ـ على المستوى الفردي ـ منافس حقيقي لأردوغان في تركيا ، فهو صاحب وهج شعبي هائل ، كما أن هرم الإنجازات الذي يقف عليه يكفيه وزيادة ، وقد حاول كاتب عربي تقريبه فقال : الفارق في حال تركيا قبل أردوغان وبعده يشبه الفارق في دول الخليج قبل النفظ وبعده ، فقد نقل بلاده نقلة حضارية وتنموية هائلة ، والناس تثق فيه أكثر من أي شخص آخر ، كما أن ظهوره كزعيم قوي لتركيا أمام العالم زاده شعبية ، ورهان المعارضة وداعموها الدوليون على كل من “محرم إنجه” مرشح حزب الشعب الجمهوري ، والسيدة “ميرال اكشنار” مرشحة حزب “الخير” ، وهو حزب جديد منشق عن حزب الحركة القومية ، تقوم خطته الأساسية على محاولة سحب أردوغان إلى جولة إعادة ، لذلك تم ترشيح عدد كبير نسبيا أمامه ، ليس لهم أي حظوظ في الفوز ، ولكن بهدف تفتيت الأصوات وحرمانه من الحصول على 50% زائد واحد في الجولة الأولى ، فإذا ذهبوا للجولة الثانية يحتشدون خلف مرشح واحد على أمل أن يربحوا المعركة ، والغريب أن رئيس حزب السعادة الديني “تمل قره أوغلو” وريث نجم الدين أربكان وحليف الإخوان المسلمين ، يشارك في تلك الخطة ، لمجرد أن يحرم أردوغان من الحصول على أصوات أبناء حزب السعادة الإسلامي .
على صعيد الانتخابات البرلمانية ، ما زال حزب العدالة والتنمية هو المتصدر لكل استطلاعات الرأي ، ويعتمد الحزب على كتلة صلبة ثابتة تتراوح بين 40% و 45% من أصوات الناخبين ، والتحدي الحقيقي للحزب حاليا هو أن يحاول انتزاع النصف زائد واحد في البرلمان ، لكي يستطيع تشكيل الحكومة بدون الخضوع لضغوط وابتزاز أحزاب أخرى ، والصورة غير واضحة حتى الآن ، وإن كان تحالفه مع بعض الأحزاب الصغيرة الأخيرة يمكن أن يساعده في تجاوز النصف حسب بعض التقديرات .
حزب الشعب الجمهوري ، الذي يقدم نفسه دائما كوريث الجمهورية الكمالية وحصن العلمانية ، يملك كتلة تصويت ثابتة أيضا ، تتراوح 25% و 30% من أصوات الناخبين ، وهو يراهن على زيادتها من خلال تحالفه مع أحزاب أخرى ، وقد لوحظ في الانتخابات الأخيرة تلك أن الحزب بدأ يخاطب المشاعر الدينية للناخبين ، في سباقه مع حزب العدالة والتنمية ، ويتحدث مرشحوه عن أنهم يصلون ويصومون ويذهبون إلى المساجد ، وهذه أول مرة تحدث في تركيا ، وهي كاشفة عن عمق التحولات التي حدثت في جذر المجتمع التركي خلال الأعوام الأخيرة .
الانتخابات التركية تتميز بمستوى عال من الشفافية ، والثقافة السياسية والمؤسسية لا تعرف مصطلح “التزوير” ولا تفهمه أصلا ، كما أن القانون له هيبة واحترام كبير ، واللجنة العليا للانتخابات مستقلة ولها صلاحيات واسعة ، وعندما ترشح رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي “صلاح الدين ديمرطاش” للانتخابات الرئاسية ، من داخل سجنه ، حيث أنه محبوس على ذمة قضية إرهاب لتورطه في دعم حزب العمال الكردستاني المسلح ، وهو حزب دموي قتل أكثر من أربعين ألف مدني وعسكري تركي طوال العقود الماضية ، أعلن أردوغان رفضه ترشح متهم بالإرهاب ويخضع للتحقيق ، إلا أن اللجنة العليا للانتخابات تجاهلت مطلب أردوغان ، وقبلت أوراق ترشح “ديمرطاش” ، بل وألزمت التليفزيون الرسمي للدولة أن يجهز استديو داخل السجن لكي يقدم من خلال ديمرطاش مساحته الإعلامية التي يكفلها له القانون لتقديم برنامجه الانتخابي للشعب ، وفي كلمته التي نقلها التليفيزيون هاجم “ديمرطاش” الرئيس أردوغان ، واتهمه بعدة اتهامات سياسية وحذر الشعب من إعادة انتخابه !
تركيا حالة مختلفة ، يكون من السطحية بمكان مقارنتها بغيرها في المحيط الإقليمي ، ويصعب فهم تركيبتها السياسية عن بعد ، كما يصعب فهم أحداثها الحالية بمعزل عن تطورها السياسي والعسكري طوال نصف القرن الأخير كله على أقل تقدير ، وهي في كل الأحوال تجربة ملهمة لدول العالم الثالث التي تتحسس طريقها إلى الديمقراطية والدولة المدنية ومنع تدخل العسكريين في الحياة السياسية.
بقلم : ا. جمال سلطان ..

للإستعلام عن المخالفات ودفع الغرامات
الوسوم
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock