للاعلان هنا .. اتصل بنا على 99793374
الأخبار المثبتة

د. عبدالمحسن الخرافي : عبدالوهاب العثمان.. والفراسة العجيبة

( الفوز – محليات )

تحدثنا في المقال السابق عن أهمية الفراسة في حياة المسلم بصفة عامة، وحياة التاجر بصفة خاصة، ومن الآيات الكريمة التي تدور حول هذا المعنى قول الحق سبحانه وتعالى مخاطباً النبي (صلى الله عليه وسلم): «وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ». (محمد: 30). فالأول: فراسة النظر والعين، والثاني: فراسة الأذن والسمع، وقال تعالى: «تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ» (البقرة: 273)، وهذه الآيات الكريمة تدل في جملتها على فائدة الفراسة في معرفة أحوال الناس.

وقد عرضنا قصة للنوخذة عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان ــــ رحمه الله ـــــ تبيّن فراسته وذكاءه، وفي هذا المقال ــــ بإذن الله ــــ نعرض قصة أخرى للنوخذة عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان، التي أوردتها في كتابي «النوخذة عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان: ريادة عائلية وتميّز إنسان» (ص: 140 ـــــ 145).

وفيها أن من عجيب فراسة النوخذة عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان ما يرويه النوخذة عبدالله إسماعيل إبراهيم مما شاهده بنفسه عندما زاره النوخذة عبدالوهاب العثمان، وهو يستعد للرحيل من الكويت في احدى «طرشاته» (سفراته) فسأله: «من الذي ضم هذا البحار؟ (مشيراً إلى أحد البحارة)». فقال له النوخذة عبدالله: «لعله المجدمي فلان».

وكانت العادة في مواسم السفر أن يعهد إلى المجدمي، وهو بمنزلة رئيس البحارة، أن ينتقي من يشاء ويرشّح من يراه مناسباً لتكوين طاقم السفينة بحكم خبرته، وسؤاله عن أحوال البحارة ومهارتهم.

فقال النوخذة عبدالوهاب: «اتركوه.. هذا ما يصلح لكم». هكذا من دون مقدمات، فلم أتردد هذه المرة بقبول كلامه، لأنه قد يرى ما لا أرى، ولكني استدركت، قائلاً له: «ولكن يا بوعثمان، أعطيناه السلف، ولا يزال في ذمته لنا». فقال: «الله يعوضكم خيراً.. اتركوه».

ويستأنف النوخذة عبدالله إسماعيل: «فامتثلت إلى الأمر. وبشكل طبيعي ضم نواخذة آخرون هذا البحار لمّا عرض نفسه عليهم، وما هي إلا أيام وتوجهت السفن الكويتية إلى شط العرب لتحميل التمور، تمهيداً لنقلها ــــ كالعادة ــــ إلى سواحل الهند الغربية.

وسرعان ما وصلت الينا أخبار ذلك البحار ومشاكله اليومية، وكانت المفاجأة لي بأن ذلك البحار كان شارباً للخمر، وكان يترك السفينة كل ليلة بعد انتهاء تحميل التمور، ويذهب إلى العشار ليعاقر الخمر هناك، ولتحدث المشاكل بعد ذلك كل ليلة».

فسبحان الله على هذه الفراسة العجيبة التي ألهمها الله تعالى للمرحوم النوخذة الكبير عبد الوهاب العثمان، والتي مكّنته من معرفة الناس وكشف أسرارهم من دون أن تكون له سابق معرفة بهم.

والحق يقال إن هذه كانت حال كثير من آبائنا من أبناء الكويت في ذلك العصر، حيث كانوا يتميزون بالفراسة العجيبة التي تندهش لها الأسماع، وتعجب من قصصهم الأذهان، وهذا من التوفيق الإلهي لهم، وإحدى أهم السمات التي منحها الله تعالى للتجار والنواخذة الكويتيين في ذلك العصر الذهبي لركوب البحر، والتعامل مع أصناف كثيرة من الناس، فكانت تلك الفراسة من أهم سماتهم ومقوماتهم للاستمرار والنجاح.

بقلم : د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي / القبس 

للإستعلام عن المخالفات ودفع الغرامات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock