للاعلان هنا .. اتصل بنا على 99793374
الأخبار المثبتةمنوعاتمنوعات عامة

أُسُود الجبل في باتاغونيا

( الفوز – ناشيونال جيوغرافيك )

كان أول أسد جبل (كوْجَر) يقع بصري عليه مخلوقا مفتول العضلات يزأر على ارتفاع ستة أمتار فوق شجرة صنوبرٍ وسط ولاية يوتاه الأميركية، وقد اعتصم بالشجرة خوفا من كلاب صيد طاردته بعدما أطلق عليه النارَ موظفٌ فدرالي يحمي غنم مربي ماشية. كان المشهد عنيفا، على خلاف الذي رأيت في تشيلي، حيث يُسمى هذا الحيوان المراوغ، “بوما”.

كمَنتُ بين الشجيرات على منحدر في مهب الريح على مشارف “منتزه توريس ديل باين الوطني” جنوب تشيلي، ورحت أرصد ثلاثة أشبال كوجر صُفر تتعثر في سباقها على طول بحيرة زمردية وهي تختبر قوتها وأسنانها ووضعها الاجتماعي. وبين الفينة والأخرى كانت الأم -المعروفة باسم “سارميينتو”- تتوقف لتقييم الوضع.

كانت عيناها الخضراوان المحفوفتان بالسواد هادئتين وذيلها الكثيف خفيضا. لما بلغ الأربعة شبه جزيرة تؤثثها صخور من الرقائق الكلسية الطحلبية (الستروماتوليت)، بدا كأن نظام التوقيت لديها قد تعطل؛ إذ تجمعت الأم وأشبالها داخل فجوة صخرة دائرية ليفعلوا ما تجيده السنوريات: النوم.
يعيش الكوجر (المعروف علميا باسم، Puma concolor) في المناطق الممتدة بين جنوب ألاسكا وجنوب تشيلي، ويفوق عدد أفراده أعداد أي ثدييات أرضية أخرى في النصف الغربي للكوكب. ويُرجح العلماء أن جوانب “منتزه توريس ديل باين” تؤوي تجمعات كوجر أكثر عددا مما في أي مكان آخر، ويُعزى ذلك أساسا إلى وفرة فرائسها (الغوناق والأرنب البري)، وحمايتها داخل المنتزه، ثم غياب المنافسة من ثدييات مفترسة أخرى كالذئاب.
ولِمن تاق إلى رؤية هذه المفترسات في البرية، فإن “منتزه توريس ديل باين” هو الوجهة المُثلى؛ إذ يمتد على مساحة 200 ألف هكتار من القمم الغرانيتية والمروج والغابات شبه القطبية والبحيرات التي تداعب مياهَها الرياحُ. إن المشهد مفتوح على آخره، وكثير من حيوانات الكوجر ههنا اعتادَ الناس وألِفهم، مع توسع النشاط السياحي إلى أبعد الحدود. وعلى شاكلة أشبال سارميينتو على طول شاطئ البحيرة، فإن حيوانات الكوجر تذرع المكان وتصطاد وتعتني بأنفسها وتتزاوج وتلعب، متجاهلةً ابتسامات من يصادفها من الزوار.
رغبت -أنا ودليلي “خورخي كارديناس”- برؤية مزيد من هذه الحيوانات قيد نشاطها، فرُحنا نتعقبها أياما؛ إذ كنا نصيخ لنداءات التحذير الحادة التي تطلقها قطعان الغوناق كلما اقترب لها خطر الكوجر. لم نرَ أي ضحايا لهذا السنور، لكني أدركت في وقت لاحق مدى الخراب الذي يلحق المنطقة جرّاء تزايد أعداده، لما حضرت اجتماعا عقدته “بانثيرا” (منظمة حفظ دولية تُعنى بحماية السنوريات). انعقد الاجتماع في فندق بقرية “سيرو كاستيلو”، وحضره مسؤولون حكوميون وعلماء أحياء ومرشدون سياحيون ومربو أغنام.
كان من بين هؤلاء، “أرتورو كروغر فيدال”، مربي غنم من الجيل الثاني، يدير مزرعة شاسعة جنوب شرق “منتزه توريس ديل باين”. نادرا ما يتخلّف عن العمل، لكنه فعل ذلك اليوم ليحضر الاجتماع ويُعرب عن هواجسه. قال برباطة جأش: “بعتُ مُسبقا 400 رأس من الغنم خلال الشهر الجاري، ولم تمر على البيع خمسة أيام حتى بقي منها للمشتري 370 رأسا. قتل كوجرٌ 30 خروفا في ليلة واحدة”. هز زملاؤه رؤوسهم عطفا.
ظل رجال مثل فيدال، على مرّ قرن من الزمان، يمتطون صهوات الجياد ويحملون البنادق ويستعينون بكلاب الصيد، حتى تحكّموا في أعداد الكوجر بالمنطقة. لكن صيد هذا السنور والغوناق صار محظورا لمّا أنشأت الحكومة التشيلية “منتزه توريس ديل باين”؛ فزادت أعدادهما زيادة كبيرة، ما اضطر هذا المفترس وفريسته للبحث عن القوت في المزارع الخاصة خارج نطاق المنتزه.
يقول فيدال: “إن إنشاء المنتزه انعكس سلبا على مربي الغنم”، لأن بعض جماعات الكوجر بدأت تغادره لتهاجم الأغنام. ويُقدر هؤلاء الفلاحون أن هذا السنور افترس -منذ افتتاح المنتزه- نحو 30 ألف رأس من الغنم، ما تسبب بخسارة فادحة في مداخيل بيع الصوف واللحوم.
يُقدّر المرشدون السياحيون وبعض حراس المنتزه المخضرمين أن أعداد الكوجر في المنتزه تتراوح بين 50 و 100 رأس. أما خارجه -حيث ما زال يتعين إحصاء أعداده بدقة- فإن مربي الغنم يزعمون أنهم يقتلون كل عام مئةً من هذه السنوريات. قال “فيكتور مانويل شارب” في ذلك الاجتماع: “إن تربية الغنم هي اقتصادنا؛ فما عسانا أن نفعل؟”.

للإستعلام عن المخالفات ودفع الغرامات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock