للاعلان هنا .. اتصل بنا على 99793374
الأخبار المثبتةمنوعات عامة

جواهر تحت البحر.. والإجهاد 

( الفوز – محليات )

أنا أعبر صحراء، لكنها ليست من رمال. إني أسبح في قِفار من أنقاض.. بقايا شِعب مرجاني مسحوق. جفلتُ من مشهدها الأجرد القاحل. في أماكن أخرى في الفلبين، لطالما دُهشتُ من شِعاب مرجان رائعة متنوعة كأنها عُلب جواهر. فهذه المنطقة من المحيطين الهندي والهادي -المعروفة باسم “مثلث المرجان”- هي أغنى كنز بحري متنوع على كوكب الأرض. إذ يوجد ههنا أكثر من 500 نوع من المرجان -ثلاثة أرباع كل الأنواع المعروفة- شيَّدَت شِعابًا مرجانية تغطي مساحة تناهز الـ 73 ألف كيلومتر مربع. وتعيش في هذه المدن المغمورة كائناتٌ لا تُعد ولا تحصى. فالفلبين، قمة مثلث المرجان، تمتلك ما يقرب من 1800 نوع من سمك الشعاب المرجانية. ومع ذلك، فإن هذه المقبرة المرجانية التي أنا بصدد استكشافها لا تؤوي سوى لاجئين. أرى سمكة “الراس المنظفة” وأشعر بوخزة حزن. دورها في المنظومة البيئية للشعاب المرجانية هو تنظيف الأسماك الأخرى من خلال تخليص أجسامها من الطفيليات وغيرها من الكائنات البحرية الجوّالة. لكن هذه المنظفة لا تجد من تنظف. إنها تسبح في عزلة بائسة مقفرة. الشعاب المرجانية من حولها منهارة متهاوية كأشجار أصابها إعصار. وسط الجذوع النافقة، يُومض شيءٌ ما في ضوء الشمس. التقطتُه فإذا به قاع قنينة زجاجية مكسورة. لقد رأيتُ من قبلُ قنينات مثل هذه مليئة بأسمدة النترات ويعلوها صاعق وفتيل. أشعل الفتيل، ثم ألقِ القنينة في البحر؛ وسيصعق الانفجارُ الأسماك أو يقتلها في الحين، فتطفو على السطح ليجمعها الصيادون. إن هذا الصيد بالتفجير مميتٌ للأسماك وخطير على الصيادين. فإذا انفجرت القنينة في وقت أبكر من المطلوب، فقد يفقد المرءُ يدًا أو ذراعًا أو حياته. مات صياد سمك بهذه الطريقة قبل يومين من وصولي إلى شِعاب “داناجون بانك” المرجانية، البعيدة 30 كيلومترًا شرق جزيرة “سيبو” بمنطقة من الفلبين لها تاريخ طويل من ممارسات الصيد المدمرة: المتفجرات، والسيانيد لإخراج السمك من الشقوق المرجانية، والشبكات الرفيعة جدًا التي تمسك أي شيء يتحرك.

كل هذه الأساليب غير قانونية.. وكلها ما زالت قيد الاستخدام. إنها تشكل كارثة تراكمية على الشعاب المرجانية، واستنزافًا فوريًا للحياة البحرية أكثر من المآسي البطيئة المتمثلة في انخفاض المخزونات السمكية، والتلوث، وتغير المناخ. رأيتُ شخصًا من بعيد يجمع شيئًا من أنقاض المرجان التي خلّفها الديناميت، فسبحت باتجاهه. كان يرتدي قميصًا بأكمام طويلة وبنطالًا وقلنسوة على رأسه فيها ثقوب للعينين والفم. كان يضع نظارات سباحة متآكلة على عينيه وربطَ إلى قدميه قطعتَي خشب رقائقي اتّخذهما زعانف. “قنديل البحر؟”، سألتُه مشيرًا إلى قلنسوته. إذْ كان قائدُ قارَبي قد أخبرني عن صراعه ضد قنديل بحر في هذه المياه. لم يسعفه الوقت سوى ليصرخ قليلًا طلبًا للنجدة، قبل أن يفقد وعيه من شدة الألم اللاذع الذي تلقّاه من لوامس هذا الحيوان. أراني الرجلُ الكدمات الموجودة على ذراعه وبطنه، والتي لا تزال ظاهرةً حتى بعد انقضاء 15 عامًا. أجابني الغطاس قائلًا: “الشمس”. إذ أخبرني أنه لكي يجمع ما يكفي من طعام لعائلته، فهو غالبًا ما يضطر للبقاء في العراء نصف يوم تحت الحر الشديد، إذ يُمشط الشعاب المرجانية.

للإستعلام عن المخالفات ودفع الغرامات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock